وبعد ما تأكد النبي من تعهد أبي طالب بحمايته وهو يبلغ عن ربه ، قام يوماً على الصفا فصرخ : يا صباحاه: فأجتمع إليه بطون قريش ، فدعاهم إلى التوحيد والإيمان برسالته وباليوم الآخر . وقد روى البخاري طرفاً من هذه القصة عن ابن عباس . قال : لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين صعد النبي على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر ! يا بني عدي ! لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو ؟ فجاء أبو لهب وقريش . فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا : نعم ، ما جربنا عليك إلا صدقاً ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب : تباً لك سائر اليوم . ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت تبت يدا أبي لهب .
وروى مسلم طرفا آخر من هذه القصة عن أبي هريرة رضي الله عنه . قال : لما نزلت هذه الآية وأنذر عشيرتك الأقربين دعا رسول الله فعم وخص . فقال : يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار ، يا معشر قريش بني كعب ! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا فاطمة بنت محمد . أنقذي نفسك من النار ، فإني والله لا أملك لكم من الله شيئاً إلا أن لكم رحماً سأبلها ببلالها .
هذه النصيحة العالية هي غاية البلاغ فقد أوضح الرسول لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلات بينه وبينهم . وأن عصبية القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار الآتي من عند الله .