كان من الحكمة تلقاء هذه الاضطهادات أن يمنع رسول الله المسلمين عن إعلان إسلامهم قولاً أو فعلاً وأن يجتمع بهم إلا سراً لأنه إذا اجتمع بهم علناً فلا شك أن المشركين يحولون بينه وبين ما يريد من تزكية المسلمين وتعليمهم الكتاب والحكمة ، وربما يفضي ذلك إلى مصادمة الفريقين بل وقع ذلك فعلاً في السنة الرابعة من النبوة ، وذلك أن ا صحاب رسول الله كانوا يجتمعون في الشعاب فيصلون فيهم سراً فرآهم نفر من كفار قريش فسبوهم وقاتلوهم ، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلاً فسال دمه وكان أول دم أهريق في الإسلام.
ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لأفضت إلى تدمير المسلمين وإبادتهم فكان من الحكمة الاختفاء فكان عامة الصحابة يخفون إسلامهم وعبادتهم ودعوتهم واجتماعهم ، أما رسول الله فكان يجهر بالدعوة والعبادة بين ظهراني المشركين ، لا يصرفه عن ذلك شئ ولكن كان يجتمع مع المسلمين سراً نظراً لصالحهم وصالح الإسلام وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي على الصفا . وكانت بمعزل عن أعين الطغاة ومجالسهم ، فكان أن اتخذها مركزاً لدعوته ، ولا جتماعه بالمسلمين من السنة الخامسة من النبوة .